لم يظهر الإطمئنان عند الإسرائيليين بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "صفقة القرن". يفسّرونها بإعتباراتهم المتعلقة بالأمن والسياسة. إذا كان الأمن غير مضمون نهائياً لهم طالما أن هناك رفضاً فلسطينياً، فإن عرض الصفقة الآن يخدم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، ويحاصر البرنامج الإنتخابي لحزب "الليكود" من قبل اليمين.
لكن بالتزامن مع إعلان الصفقة، كانت النيابة العامة في تل أبيب تقدّم لائحة الإتهام بحق نتانياهو، مما يؤكد ان الإسرائيليين عازمون على محاكمة رئيس حكومتهم، وقد يكون في السجن قريباً، كما كان الحال مع رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت. لم ينجح نتانياهو في إبعاد النيّة القضائية بمحاكمته، لا من خلال العرض الرئاسي الأميركي لصفقة القرن التي يعتبرها بنفسه أنه إستولدها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا من خلال الإيحاء للإسرائيليين أنه الزعيم الأكثر إنتاجاً في منصبه من كل الذين سبقوه في تولي رئاسة الحكومة. يريد أن يوحي أنه من نوعية دايفيد بن غوريون.
لكن الإسرائيليين طرحوا في صحفهم ووسائل إعلامهم أسئلة: لماذا طرح ترامب "صفقة القرن" الآن بعد تأجيل سنتين وعدة أشهر؟ لماذا هذا التعاطف الترامبي المطلق مع نتانياهو؟ ما سر تلك العلاقة؟ لماذا إندفع الرئيس الاميركي لتبنّي موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي؟ هل هناك مصالح خفية بين نتانياهو وصهر ترامب جاريد كوشنير؟.
بالطبع يستفيد الرئيس الأميركي من طرح الصفقة الآن قبل انتخاباته المقبلة بعد بضعة اشهر، لجذب الناخبين اليهود والداعمين لإسرائيل. خصوصا ان كلمة ترامب شددت على ما قدمّه لإسرائيل: صفقة القرن وهضبة الجولان. لكن مجرد طرح الصفقة الآن، فإن إستفادة نتانياهو حتمية في انتخاباته المقبلة خلال شهر آذار. هو توقيت إستفزّ القوى السياسية الإسرائيلية المعارضة لرئيس الحكومة، التي أعلنت ملاحظاتها على الشكل والجوهر. رغم ان الضم الذي تحويه الصفقة هو ضرب لأي دولة فلسطينية قابلة للحياة.
اللافت ان العرب ظلّوا يتفرجون، فإنقسموا بين من يدين الصفقة عن بُعد، دون ان يكلّف نفسه الإعتراض العملي، وبين مؤيد ضمني وآخر علني لها (حضور ثلاثة سفراء عرب مؤتمر الإعلان عن الرؤية في واشنطن)، التي يجدون فيها الخلاص من إصطفافات حول فلسطين.
يتحدث إسرائيليون عن رفض، او ملاحظات، أو تعديلات مطلوبة، او يعبّرون عن قلق من ضم وفرز ودفن لحل الدولتين، بينما العرب يصمّون آذانهم عما يجري بشأن فلسطين. تركوا الشعب الفلسطيني وحده يواجه قراراً شبيهاً بإعلان دولة إسرائيل عام 1948. يومها نظّم العرب "جيش الإنقاذ" للهجوم على العصابات الصهيونية، لكنهم فشلوا في إجهاض مشروع الدولة الإسرائيلية. اليوم لا نظّموا ولا دعموا الفلسطينيين المتروكين لقدرهم في بلادهم.
اذا كانت دول عربية تتفرّج، لأن لا تأثير للقضية الفلسطينية عليها، فإن دولاً أخرى معنية برفض الصفقة، لأنها تطحن حق العودة للفلسطينيين الى أرضهم. فهل نستعد للدخول في المرحلة الثانية: التوطين للاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن؟ روحية الصفقة توحي بذلك. مما يضع احتمالات عدة أمام سير الصفقة. اهمها انها ليست قدراً، وقد يموت تنفيذها بعد انتخابات الرئاسة الأميركية. لكن ان مضت الصفقة إلى الأمام، فإن طرح التوطين للفلسطينيين حيث هم، صار قريباً، مقابل إنقاذ الدول المعنية بالتوطين المتعثرة مالياً. لبنان في الأولوية، خصوصا أن الإغراءات المالية والوعود ستكون كبيرة في عز الأزمة الإقتصادية اللبنانية.